"فورين أفيرز": التمسك بسياسات القرن الـ20 وراء تأخر الاقتصاد الياباني
"فورين أفيرز": التمسك بسياسات القرن الـ20 وراء تأخر الاقتصاد الياباني
يعتقد العديد من المراقبين -بشكل غير صحيح- أن الركود الاقتصادي الممتد في اليابان لا يمكن معالجته، فالناتج المحلي الإجمالي للبلاد اليوم ليس أعلى مما كان عليه قبل خمس سنوات، حيث كان نمو نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط بنحو 0.7% سنويا منذ عام 1991، بعد أن كان متوسطه 4% خلال الثمانينيات، وفقا لمجلة "فورين أفيرز" الأمريكية.
وكانت هناك خيبة أمل في كل عقد من الزمان منذ نهاية طفرة الثمانينيات، عندما دفعت التضخمات المتنوعة في أسعار الأسهم السماسرة والسياسيين إلى الإعلان كذباً عن أن "اليابان عادت"، فقط لكي يتعثر الانتعاش.
وألحق معدل النمو المتوقف هذا الضرر بجزء كبير من عامة الناس، ما أدى إلى تزايد الضغوط السياسية من أجل إجراء إصلاحات ذات معنى، ولم يزد متوسط الأجر الحقيقي للعامل بدوام كامل إلا بالكاد منذ عام 1990، كما تم تخفيض مزايا الضمان الاجتماعي بنسبة 20% منذ عام 1996، مع ورود تقارير عن لجوء بعض الأرامل إلى السرقة من المتاجر.
وتضخمت نسبة العمال غير الدائمين، العمال بدوام جزئي والمؤقتين الذين يبلغ أجرهم في الساعة نصف أو أقل من نصف أجر العاملين بدوام كامل، من 15% من القوى العاملة في الثمانينيات إلى ما يقرب من 40% اليوم.
وفي حين أن 72% من العمال الذكور المنتظمين في أواخر الثلاثينيات من العمر لديهم متزوجون، فإن 30% فقط من العمال غير النظاميين من نفس العمر يمكنهم تحمل تكاليف الزواج.
العواقب الخارجية
إن السبات الاقتصادي الذي تعيشه اليابان له عواقب مهمة خارج حدودها، فمن الممكن أن توفر اليابان النابضة بالحياة ثقلاً موازناً للصين، من خلال مساعدة البلدان في الجنوب العالمي على مقاومة مبادرات وتهديدات بكين الاقتصادية، وسوف يستفيد العالم إذا تمكنت الشركات اليابانية من استعادة إبداعها وديناميكيتها السابقة.
على سبيل المثال، كانت الشركات في اليابان رائدة منذ عقود من الزمن في تسويق ثلاث من التقنيات التي أصبحت الآن بالغة الأهمية لمكافحة تغير المناخ: الألواح الشمسية، والمركبات الكهربائية، وبطاريات الليثيوم أيون.
ولا تتطلب النهضة سوى القليل نسبيا من الإصلاح السياسي والاجتماعي، ومع ذلك يظل أمرا صعبا، وتنبع المتاعب التي تواجهها اليابان من التمسك بسياسات وممارسات ومؤسسات القرن العشرين التي كانت مفيدة ذات يوم، ولكنها أصبحت الآن كما يقال “سياسات قديمة عفا عليها الزمن”.
وتتمثل إحدى هذه العوائق في الممارسة اليابانية المتمثلة في ما يسمى بالتوظيف مدى الحياة، وهي السياسة التي تضمن بحكم الأمر الواقع للمجندين وظيفة دائمة داخل الشركة ولكنها في هذه العملية تقلل من حركة العمالة والأجور، والسبب الآخر هو الهيمنة على الاقتصاد من قبل الشركات العملاقة التي كانت ذات يوم مبدعة، والتي أصبحت الآن تمنع المنافسين المبدعين، كما يدعم النظام المالي الشامل الشركات الضعيفة على حساب الشركات الناشئة.
فرصة للتعافي
والخبر السار هنا هو أن التحولات في المواقف، والتكنولوجيا، والعولمة، جنباً إلى جنب مع الشقوق السياسية الناجمة عن انخفاض النمو، عملت على تيسير أفضل فرصة للتعافي منذ جيل كامل.
ومن الممكن أن تؤدي هذه الاتجاهات إلى إحياء ذلك النوع من فورة ريادة الأعمال التي دفعت التحديث في أواخر القرن التاسع عشر، وبعد الحرب العالمية الثانية، إلى ربع قرن من النمو السنوي الذي بلغ نحو 10%.
والنمو الذي حققته كوريا الجنوبية بشكل جيد للغاية، على الرغم من اشتراكها في العديد من مؤسسات الأعمال اليابانية والعيوب البنيوية، يثبت أن إصلاح الاقتصاد الياباني أمر ممكن.
ومن المؤسف أن التيارات الإيجابية في اليابان غير قادرة على تغيير النظام ما لم يتم تضخيمها من خلال الدعم الحكومي، وهو ما نفتقده حتى الآن، وتخشى الشركات التقليدية القوية أن يؤدي الإفراط في ريادة الأعمال إلى إطلاق العنان لنوبة من التدمير الخلاق الذي من شأنه أن يدفعها إلى التوقف عن العمل.. ولا يشمل هذا الحرس القديم الشركات الكبيرة التي لا تزال متخلفة من الناحية التكنولوجية فحسب، بل يشمل أيضًا مئات الآلاف من الشركات الصغيرة والمتوسطة المحتضرة.. إن المنافسة التي تلوح في الأفق بين رجال الأعمال وأولئك الذين يقفون ضدهم سوف تحدد مستقبل اليابان الاقتصادي.
وعود بالإصلاح
وعد رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا بإصلاح هذا النظام كجزء من برنامج "الشكل الجديد من الرأسمالية" لعام 2022، وتعهد بأن اليابان سوف تشهد زيادة في الشركات الناشئة بمقدار عشرة أضعاف، لتصل إلى 100 ألف بحلول عام 2027.. لكنه لم يفعل شيئا تقريبا لتغيير هذا الخطاب، إلى واقع ملموس، باستثناء إعفاء ضريبي واحد رديء التصميم للمستثمرين الملائكيين، والذي لن ينجح.
وحث الإصلاحيون على رفع نسبة المشتريات العامة المخصصة للشركات الجديدة من هدف 2018 البالغ 3% إلى 10%، لكن اليابان لم تقترب قط من هدف الثلاثة بالمئة، ولم يقترح كيشيدا أنه سيفعل أي شيء سوى المحاولة، مثل من سبقوه، لتحقيق الهدف المنخفض الحالي.